مع
اقتراب موعد الانتخابات المقرّر ليوم 23 أكتوبر القادم ، بدأت تلوح في أفق
الساحة السياسية التونسية بوادر التفاف على مطالب الشعب ، وذلك من خلال
تحرّكات مريبة لإجهاض ثورته ، وإرجاعه إلى مربّع الحكم السابق ممثّلا في
ماكينته الإعلامية التي تعمل على توجيه اهتمام الرأي العام إلى قضايا
جانبية لا تمتّ لمطالب الثورة بصلة حسب سيناريوهات من تخطيط المتنفّذين
والمستفيدين من النظام قبل ثورة 14 يناير والتي تعمل على إثارة النعرة
الدينية تارة ، والقبلية طورا ، والسياسية أطوارا، حفاظا منهم على مصالحهم
وامتيازاتهم وإفلاتا من المحاسبة والعقاب . عاشت
تونس بداية شهر جوان حالات من الانفلات الأمني والفكري والسياسي في هيئات
مختلفة ومناطق متعدّدة من البلاد التونسية ، وفي فترات زمنية متقاربة ،
فشهدت مداولات الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي
والانتقال الديمقراطي نقاشا حادّا حول ملفّات عديدة من بينها مسألة
الهويّة وإمكانية التطبيع مع الكيان الصهيوني وقانون الأحزاب ، وكردّ فعل
على مجانبة هذه الهيئة لأهدافها التي من أجلها بعثت للوجود على أساس
توافقي بين مكونات النسيج السياسي في تونس انسحبت حركة النهضة الإسلامية
من الهيئة ، وكذلك حزب العدالة والتنمية ، كما قرّر حزب المؤتمر من أجل
الجمهورية إعادة النظر في عضويته داخل هذه الهيئة ، وقد انتقل الجدل من
مقرّ الهيئة إلى أعمدة الجرائد وشاشات القنوات التونسية والشارع الثقافي
والسياسي ، وفي خضمّ هذا الجدل والتراشق بالتهم بين مكونات المجتمع المدني
والسياسي ، تمّ عرض فيلم بعنوان " لا ربّي ... لا سيدي " في قاعة أفريكا
بالشارع الرئيسي بالعاصمة ، علما وأنّ مخرجة الفيلم نادية الفاني من الذين
يفاخرون باعتناقهم للإلحاد ويجاهرون به في تحدّ صارخ لهويّة الشعب التونسي
وعواطفه ، ممّا دفع بجملة من المواطنين إلى الاحتجاج على عرض الشريط ، وقد
جدّت أحداث عنف تمّت نسبتها للتيار السلفي ، واعتقل فيها بعض المشاركين
الذين اتهموا برشق بلور القاعة بالحجارة والاعتداء على الناس ، وعلى إثر
تلك الأحداث ومن الغد مباشرة قام وفد تونسي متكوّن من مجموعة تطلق على
نفسها " لمّ الشمل " وحزب آفاق بحضور لقاء رسمي في مبنى البرلمان الأوروبي
للحديث عن خطر السلفيين والتيار الإسلامي في تونس على حريّة التعبير
والمعتقد انطلاقا من الحادثة التي جدّت بالأمس ، كما شهدت مدينة قابس
بالجنوب الشرقي التونسي إضرابا لرجال الأمن للمطالبة بمحاسبة المجرمين
وكبار المسؤولين في وزارة الداخلية المتورّطين في دماء شهداء الثورة ، كما
بيّنوا في معرض حديثهم للقنوات التلفزيّة التونسية حقيقة القنّاصة ومن يقف
وراءهم في أحداث الثورة ، وأثارت هذه التصريحات غبارا بين أجهزة الأمن
الداخلي ، وتمّ على إثرها اعتقال بعض رجال الأمن في محافظة قابس على
خلفيّة تعطيل سير العمل ثم أخلي سبيلهم ، كما أطلق المفكّر محمّد الطالبي
حملة في الصحف وعلى أمواج الإذاعات التونسية يشكّك من خلالها في سيرة
الصحابة وسيرة أمّ المؤمنين السيدة عائشة ويدعو للقطع مع الشريعة التي
تتعارض مع سماحة النصّ القرآني ، كما أثار تصريح الشاعر محمد الصغير أولاد
احمد عضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة سخطا كبيرا في الأوساط
الشعبية ذاك الذي توعّد فيه على شاشة قناة العربيّة بارتداء البزّة
العسكريّة ودعوة الشارع لمقاومة التيار الإسلامي ممثّلا في حركة النهضة لو
اعتلت سدّة الحكم في انتخابات المجلس التأسيسي القادم . إنّها أحداث على
خطورتها متلاحقة ومتقاربة في الزمن ، وكلّها تصبّ في خانة القضاء على
التيارات الإسلامية التي تمثّلها حركة النهضة والسلفيّون وحزب التحرير من
جهة ، ومن جهة أخرى بغية إدخال البلاد في دوّامة الصراع العقدي بين اليسار
التونسي واليمين ، والزجّ بالشارع في لجج اللعبة بدعوى الدفاع عن
المقدّسات بعدما تأكّد مخرجو السيناريوهات من فشل تمرير الخطاب العشائري
والجهوي لوقوف عدّة أحزاب وشخصيات وطنيّة في وجه استفحال صراع الجهات فيما
بينها .
إنّ
السيناريوهات القادحة للفتنة ظهرت بوتيرة تصاعدية هذه الأيام ، وملفتة
للانتباه ، وطرق تطبيقها غايتها القصوى بثّ الانشقاق في صفوف التونسيين ،
وبثّ الفتنة بين الفرقاء السياسيين ، وشقّ صفوف الإجماع الشعبي ، وتحويل
وجهة الرأي العام الوطني من خلال طرح مواضيع جانبية لتمرير أجندات تخدم
مصالح القوى الخارجية وأذيالها في البلاد ، وإشعال نار الفتنة بغية
الالتفاف على الثورة وإعادة البلاد إلى مربع حكم بن علي بلا بن علي ..
|